ما بين الخاص والعام: لجان البنايات وفضاءات التنظيم الاجتماعي في بيروت

Burj Barajneh windo

العيش في لبنان في السنوات القليلة الماضية (أو العقود) يشبه السير في درب شائك ومعقد: صراع متواصل للتكيّف مع التحديات المتغيرة والصعوبات المتزايدة. منذ أيام الحرب الأهلية اللبنانية، اختبر سكان لبنان حلول للتكيّف والتعامل مع الأزمات. أثنى الكثيرون على “صمود” اللبنانيين. ومع ذلك، فإن إدارة الحياة اليومية تنهك معظم الناس، وتظل في إطار الجهد الفردي إلى حد كبير. تعد “لجنة البناء /البناية” احدى المساحات القليلة التي يلتقي فيها سكان المدن لإدارة بعض قضايا الحياة المشتركة اليومية الملحة؛ وتتشكل لجنة البناء /البناية من مجموعة من المقيمين في مبنى يتشاركون في اخذ قرارات بشأن ادارة خدمات المبنى مثل خدمات الحصول واستخدام الطاقة والصرف الصحي والنظافة، والسلامة والأمن، وإدارة عمل “الناطور” من بين أمور أخرى.

المبنى هو الوحدة الأساسية التي ينتظم حولها سكان مدينة بيروت بشكل جماعي. هو حرفيًا ومجازيًا المساحة (مساحة عامودية) التي تقع بين ما هو خاص (منازلنا، مساحاتنا الشخصية) والعام (الشارع، المحلات التجارية، النفايات المتراكمة). إنه موقع حميم لتنظيم جماعي، وأول مساحة مشتركة ننتمي اليها تظهر كيفية تعامل سكان المدينة مع المساحات العامة. تعتبر المباني أيضًا مراكز تجمع أصحاب مصلحة متعددين. كما أن معظم المباني في بيروت تحتضن تاريخ خاص قد يكون مرتبط بتجربة احتماء السكان مع بعضهم خلال فترة الحرب الأهلية، او بالتعاطي مع انتهاكات مختلفة للمساحة المشتركة، ولكن يتكون هذا التاريخ أيضًا من علاقات طويلة الأمد التي تشكلت مع الزمن. ان تجربة التعامل مع المبنى والخدمات المرتبطة بأساليب وطرق مختلفة

فعلى سبيل المثال قد يعني غالباً ان يقع خيار سكان المبنى بوضع خزانات المياه ومولدات الطاقة محل مناطق اللعب ومواقف السيارات. وعليه فإن المبنى عبارة عن مساحة تصور التحديات اليومية للعيش في بيروت اليوم، ولكنها أيضًا مساحة لاجتماع الناس في اطر تشاركية او تضامنية لابتكار الحلول في مواجهة الأزمات.

تشكل هذه الدراسة المرحلة الأولى من بحث اجتماعي إثنوغرافي تشاركي طويل الأمد يهدف إلى توثيق وتحليل الحياة اليومية للمقيمين في مدينة بيروت التي تتخبط بالأزمات، والطرق التي يتفاوضون بها بشكل فردي وجماعي، ويديرون ويقاومون تحديات انهيار المدينة. يعتبر البحث المبنى كوحدة أساسية للتحليل ويسعى نحو الأهداف التالية:

1. توثيق التجربة المعيشية للأزمة على نسيج الحياة اليومية لسكان بيروت، وتجربة حصولهم على الحقوق والخدمات الأساسية.

2. التقاط استراتيجيات التكيف وطرق التفاوض التي يستخدمها السكان – فرديًا وجماعيًا – لإدارة ومقاومة تحديات العيش في المدينة خلال الأزمات، والبحث تحديدًا عن الاستراتيجيات التعاونية التي تنشأ من خلال مواجهة الصعوبات اليومية.

3. استكشاف التنظيم الاجتماعي في المبنى، لفهم أشكالًا أخرى من التنظيمات الأوسع نطاقًا.

تعتمد الدراسة نهج بحثي تشاركي. ويقوم عدد من الباحثين بدراسة مبنى يسكنونه من خلال توثيق الحياة اليومية والمناقشات والتحديات والنجاحات المتعلقة به وبإدارة اجزائه المشتركة، كما من خلال إجراء المزيد من الأبحاث حول تاريخ المبنى والقيام بالمقابلات مع السكان.

بدأ البحث في نهاية شهر نيسان ٢٠٢٣ (بتمويل من المكتب الإقليمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ في بيروت) كمرحلة اولى من دراسة بحثية طويلة المدى. تباشر هذه المرحلة بتطبيق واختبار المنهجية لاستتباعها بمراحل لاحقة عند تأمين تمويل إضافي. سنسعى جاهدين لمشاركة الدروس المستقاة من البحث على موقعنا على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي حيثما أمكن ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *